الأربعاء، 4 يوليو 2012

اجعل حبك لنفسك يتضاءل أمام حبك لغيرك



اجعل حبك لنفسك يتضاءل أمام حبك لغيرك .. فالله تعالى يقول : وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " الحشر 9 .والسعداء يوزعون الخير على الناس ، فتتضاعف سعادتهم .. والأشقياء يحتكرون الخير لأنفسهم ، فيختنق في صدورهم . اجعل قلبك مليئا بالحب
والتسامح والحنان .. فالأشقياء هم الذين امتلأت قلوبهم حقدا وكراهية ونقمة .

بروفسور مروان دويري
السبت 10/10/2009
هناك اعتقاد خاطئ بأن حب الذات هو نوع من الأنانية يتعارض بشكل سافر مع حب الآخرين. وهكذا يقع المرء في حسابات بين حبه لنفسه وبين حبه للآخرين. هذا الخطأ يقع في العلاقة بين الأبناء وأهلهم وبين الزوج والزوجة وبين الصديق وصديقه فإما أن يكون طرف ما أنانيا وإما أن يضحي. يأتي هذا الاعتقاد نتيجة أجواء التفاني وبطلان الذات التي التي تسود العلاقات في المجتمعات الجماعية التقليدية.
أن تحب نفسك لا يعني أن تكون أنانيا وتدوس مشاعر الآخرين بل أن تصغي لمشاعرك وتحترم رغباتك ومواقفك وتجد لها طريقا ليس فيها إساءة للآخرين، أما إذا تجاهلت كل هذا وسلكت طريق التضحية والتفاني فيكون حبك هذا ضارا لك ولمن تحب. ضارا لك لأنه مبني على خسارة وقمع لمشاعرك وضار للآخرين لأنه كلما تفانيت أكثر زاد توقعك أن يتفانى الآخرون لأجلك، وعندما لا يحدث هذا تطغى خيبة الأمل والمقت على العلاقة.
وما هو التفاني أصلا إلا شكلا من أشكال العداء للذات وتجاهلها من أجل شخص آخر نحبه. لنفترض أن هذا ممكن فهل الطرف الآخر المتلقي لهذا العطاء والتفاني يكون سعيدا حين يرانا محبطين. وإن كان سعيدا بإحباطنا هل يستحق أصلا هذه التضحية؟ حين تحب الأم نفسها حبا ليس أنانيا وتكون سعيدة إنما تقدم لأولادها أهم عطاء ألا وهو أما راضية وسعيدة. أعتقد أن أكثر ما يحتاجه الأولاد من والديهم هو رضاهم وابتسامتهم أما إعطائهم كل شيء آخر وحرمانهم من هذا الرضا وهذه الابتسامة إنما هي إساءة لكلا الطرفين. أسمى أشكال العطاء هو الرضا عن الآخر وقبوله كمختلف عنا. أما محاولة نقد الآخر وصقله بما يتمشى مع ما نريد ففي هذا سيطرة وقمع أكثر من الحب حتى لو كان كل هذا يحدث باسم الحب والاهتمام بالآخر.
علاقة الحب هي علاقة تبادية فيها عطاء متبادل وتغذية راجعة من طرف لآخر. حتى الحب ذات الطابع الغريزي، كحب الأم لطفلها، فيه هذه التبادلية التي حين تنقطع يتحول الحب إلى عداء. الوالدون يحبون أولادهم ليس فقط لأجل أولادهم بل أيضا لأن الأهل يجدون في أولادهم تحقيقا لذواتهم ومصدر فخر أو مساعدة لهم. كذلك الأولاد يحبون والديهم ليس فقط لأجل والديهم بل لأن الوالدين أعطوا من حبهم ووفروا المساعدة والدعم والحماية لأولادهم. هكذا هو الحال بين الأزواج وبين الأصدقاء. لقد صدق سيجموند فرويد الذي اكتشف الطابع النرجسي في حب الآخرين: فنحن نحب الآخر الذي يحبنا ونعطي الآخر الذي يعطينا.
أعتقد أن أي طرف يدعي بأنه يتنازل عن حب الطرف الآخر ويستطيع مواصلة عطائه وحبه له دون مقابل إنما يضحك على نفسه إن لم يكن جائرا عليها ومسببا لإتعاسها. هكذا يفعل الكثيرون لكن سرعان ما يندفعوا نحو الاكتئاب أو العصبية أو إلى عوارض نفسية وجسدية أخرى. أو يزجون بالعلاقة نحو دائرة اللوم والعتاب والمقت.
من هنا فالزوجة التي تحب زوجها عليها أن تحب نفسها أولا أي أن تحترم مشاعرها ورغباتها أولا لتجد طريقة للتعبير عنها دون إساءة للزوج. هذا أفضل وأصدق تعبير عن الحب.
يحتار الناس عادة بين مصدرين للسعادة. فالبعض يبحث عن السعادة في كسب حب وتقدير الآخرين بينما يبحث البعض الآخر عن السعادة من خلال تحقيق ذاته وحبه لذاته. في المجتمعات الغربية يبحث الفرد عادة عن سعادته في تحقيق ذاته ورضاه عن نفسه المستقلة نسبيا عن الآخرين. في معظم المجتمعات التقليدية التي يعيش فيها الأفراد ضمن ذات جماعية مرتبطة بالآخرين يبحث الناس في هذه المجتمعات عن السعادة في رضا وتقدير الآخرين. في هذه المجتمعات يشعر المرء أنه غير مخول بمدح نفسه تمشيا مع القول "من مدح نفسه ذمته الناس". مجتمعنا العربي لم يعد تقليديا تماما كما كان قبل عدة عقود بل هنالك بوادر للتحرك نحو الفردية التي تعطي مكانا للذات الفردية أيضا. في مجتمع كهذا أعتقد أنه ليس على المرء أن يختار نوعا واحدا من السعادة دون النوع الآخر بل عليه خلق توازن صحيح بين حبه لذاته وبين حب الآخرين له. أما أن يلهث المرء في مجتمع كهذا وراء حب وتقدير الآخرين له على حساب ذاته ونفسه فهذا نوع من الانتحار النفسي. كذلك الأمر حين يتركز بإرضاء نفسه وذاته دون اعتبار لرأي الآخرين ولموقفهم فهذا نوع آخر من الانفصال والجنوح عن محيطه الاجتماعي.
الحب هو كيان فيه أكثر من طرف ولا يمكن له أن يكون فقط باتجاه واحد أو من طرف لآخر بل هي عملية ثنائية متشابكة تحيا وتتواصل بفعل الطرفين بينما يمكن أن تموت بفعل طرف واحد. دور كل طرف في هذه العملية ليس أن يحب الآخر فحسب بل أن يحب نفسه أيضا عندها فقط يكون لديه ما يعطيه للآخر. هنالك ضرورة لوجود تبادلية متوازنة بين الطرفين من جهة وأيضا بين حب الذات وحب الآخر من جهة أخرى، أما التفاني في الحب دون هذا التوازن فلا يبقي شيئا يعطى للطرف الآخر إلا اللوم والمقت.
نصائح عملية:
أحب نفسك كي تستطيع أن تحب غيرك بصدق
التفاني المفرط والتضحية الزائدة يدفعان بالعلاقة إلى الخيبة واللوم والمقت
الحب الحقيقي هو المبني على التوازن بين حب الذات وحب الآخر

{منقول}

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق